المادة    
الحمد الله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
أيها الإخوة والأخوات! في هذا اللقاء الجديد نعرض القضية من بعض زواياها التطبيقية, بعد أن كنا عرضنا جانباً منها، أعني: قضية حقيقة التاريخ, بمعنى: حقيقة نشأة الحضارة أو نشأة الإنسانية، وهل الرواية الحقة هي ما جاء في كتب أهل الكتاب؟ أو أنها ما ذكره العلم واكتشفه التاريخ اللاديني من خلال النقوش والآثار وما أشبه ذلك؟! أو أنه يمكن للعاقل والمتجرد أن يجمع الحق من هاهنا ومن هاهنا مما في هذه الكتب ومما في تلك؛ وهذا المنهج الذي سار عليه علماء الإسلام؟ وسوف نجد من النقول التي سوف نعرضها -إن شاء الله تبارك وتعالى- أنه حتى علماء الإسلام تعتريهم هذه القضايا وهذه الإشكالات؛ فيخطئون إذا وافقوا أهل الكتاب من غير تدقيق ونظر، ويصيبون إذا استنبطوا من الوحي المحفوظ والمعصوم, ويكون أفقهم واسعاً، ويكون الاجتهاد إذا كانوا ينقلون ما ليس لديهم به علم لا من نقل ولا من عقل، وهذا في ذاته منهج معلوم مرسوم ويوضح لنا جميعاً أهمية المنهج الإسلامي؛ لأنه منهج وسطي، ولأنه منهج عدل.
ويكفينا في هذا المقال ما ذكره كثير من علماء الغرب أن المسلمين حتى في القضايا التي يختلفون فيها أو ينقلون عن الأمم الأخرى فيها، كانت لا تحتمل إشكالات, يعني: لا تستدعي العنف ولا التكفير ولا الإحراق ولا الإعدام ولا الثورة العارمة العنيفة التي كانت تحدث في أوروبا عند أي قضية! فمثلاً: الحضارة التي اكتشفت والتي سميت حضارة سومر -أو لنقل: حضارة العراق القديمة- لما اكتشفت وأدهشت الغربيين ألَّف أحد الأمريكان كتاباً سماه: الحضارة تبدأ من سومر وهو الكاتب: كرامرل , ثم ألف بروستد عن الحضارة في مصر كتاب: انتصار الحضارة , وعدة كتب له في هذا الشأن.
يعني: كان هنالك نوع من الدهشة والإعجاب الشديد الذي لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة خواء سابق له، وباعتراف بعضهم بأن هذه الدهشة جاءتهم؛ لأن حضارتهم كانت لا ترى العالم إلا من خلال الزاوية الضيقة التي حشرهم فيها اليونان والرومان ومن بعدهم؛ بسبب العنصرية والمركزية كما أشرنا.